راء و ميم

راء و ميم في سين و جيم عن النصارى و المسلمين

Monday, June 13, 2005

جيم: أقباط في القدس! وماله؟

عزيزي ميم...
آسف على كلّ هذا التأخير في الرد على سؤالك الأخير، خاصّةً أنّني لا أستطيع أن أزعم أنّ الانشغال هو السبب. غالباً السبب هو صعوبة أن أكتُب في موضوع لم يكُن في بالي مطلقاً ثم صعوبة أن آتي بردٍّ صادق موضوعيّ ومفيد في الوقت نفسه. والمشكلة الأكبر هي أنّ سؤالك المركّب-كالعادة-يفتح في ذهني عشرات الموضوعات (أكثرها لا علاقة له بالأسئلة المباشرة).

لكن حيث إنّ السؤال نُشِر بالدستور على مرأى ومسمع من الآلاف (على افتراض أنّه قُرِئ)، فسأقاوم كسلي وحبّي للاستطراد بلا نهاية، وسأحاول الإجابة (لكنّني لن أتفادى الإطالة: اعذروني!).
ولأذكِّرْ القرّاء بقواعد حوارنا الدائم: الهدف التعارف لا التجادُل، وكلٌّ منّا لا يمثِّل إلاّ نفسه ولايتحدّث باسم أحد.

سألتَني يا ميم عمّا نُشِر بشأن زيارة بعض الأقباط إلى القُدس بمُناسبة عيد القيامة (لا الفصح كما يردِّد من لا يعلمون). وتعجّبتَ إن كان هذا تعدّياً على قرار البابا شنودة، أو تراجُعاً في وطنيّة مسيحيّي مصر.
والحقّ يُقال إنّ سؤالك في البداية لم يستفزّني-على عكس ظنّك-ولكنّه فاجأني بموضوع لا أفكِّر فيه مطلقاً ولا يعني لي الكثير: زيارة مدينة القُدس وما بها من أماكن مقدّسة.
بعد ذَلك، تبحّرتُ في سؤالِك، فوَجَدْتَه حمّالَ أوجُه، وشابَني بعضُ الاستفزاز (سيتضِّح لكَ سببه). إليكَ إجاباتي عن ثلاثة العناصِر البارزة في سؤالك.

١) القُدس و"المقدِّسين":
سأبدأ مباشرةً بقراءة الحدث: أقباط يزورون القُدس، ثم تلتقط وسائل الإعلام هذا الخبر، بما فيها صحف دولة إسرائيل السعيدة المحتفلة بالزيارة "التطبيعيّة".

١-١: ليس لديّ شخصيّاً أيّ دافع لزيارة القدس. فهي ليست على قائمة الأماكن التي أنوي زيارتها يوماً ما. ولا تمثِّل هذه الزيارة-على حدِّ علمي-واجباً دينيّاً عند أيّة طائفة مسيحيّة (اللهمّ إلاّ حين أرادَها باباوات القرون الوُسطى كذلك لظنّهم أنّ العالم كلّه يدور في فلكهم، وأنّ عليه أن يخضع لما يؤمنون به). فربُّ القُدس أهمُّ من القُدس وأهمّ من أيّ مكان، وهو كائن في كلّ مكان.
سألتُ الزميل/ ميلاد، خوفاً أن أكونَ أنا حالة خاصّة، فقال لي: "زيارة القدس بالنسبة لي لا تزيد أهميّةً على زيارة طوكيو." وكتب ردّاً على سؤالك (أنشره كاملاً كتعليق أوّل-رغم أنّه كُتِب منذ شهر ونصف)

١-٢: لماذا يزور المسيحيّون القُدس إذاً؟
زيارة الأماكن ذات المغزى الدينيّ والتاريخيّ هي أحد أهمّ مظاهر السياحة (وبالتالي مصادر الدخل) في العالم كلّه. وفي مصر-كما في غيرها-تكاد مظاهر الديانة "الشعبيّة" تكون أقوى من الديانة الرسميّة (العالميّة/الكونيّة)، فهي التي تجعل الناس يحتفلون بالقدّيسين والأولياء وموالدهم، بل ويقيمون علاقات "روحيّة" قويّة معهم، ويزورون المقامات والأضرحة والأديرة. فما بالَك بمَقام "سيِّدنا المسيح"؟ لا شكَّ أنّ بعض المسيحيين (وبالذات في الغرب) يحبّون زيارته (لا سيّما أنّ هناك من تغيّرت حياتهم جذريّاً حين شاهدوا مقدار فقر مدينة الناصرة التي تربّى فيها مِحور ديانتهم: مثل شارل دى فوكو والقديس إغناطيوس دى لويولا).
أمّا في مصر مثلاً، فلا شكّ أنّ تأثير الجيران المسلمين-خاصّةً في الريف-العائدين من الحجّ في ثيابٍ بيض مُحتَفَلاً بهم، الراسمين على الجدران رسوماً تفيد حجّهم، جَعَلَ المسيحيّين المقتدرين يطمعون في لقبٍ مُناظِرٍ للقب "الحاج". ومن هُنا نجد من أجدادنا من أحبّ الـ"حجّ" إلى مكان ميلاد المسيح وإلى كنيسة القيامة، ثم العودة كالأبطال إلى الكنانة حاملاً لقب: "مِقَدِّس" (بكسر الدال ونطق القاف جيماً ريفيّة).

١-٣: أخيراً، عن الخبر المُعلن واحتفاء إسرائيل به: هذا الخبر لا يمكن اعتباره شيئاً ذا وزن، ليس لأنّه غير حقيقيّ، بل-بالعكس-لأنّه عادي جداً. ففي كلّ عام يزور عشرات المسيحيّين المصريّين القُدس، سواء في رحلة تنظِّمها كنائس غير قبطيّة أو من مالهم الخاص، (وبالطبع يزورُهاغير المسيحيّين أيضاً).
ومِن هؤلاء المخالِفين التعليمات من "يطنّش" تماماً، ومنهم من يعترف بذنبه ويعتذر ويطلب الصفح من البابا (سرّاً أو علناً على صفحات الجرائد).
وأنّى للكنائس المختلفة بتتبّعهم وملاحقتهم؟ لا يوجد "جهاز أمن كنيسة" أو "هيئة مُخابرات إكليركيّة!"، ولا يوجد عددٌ كافٍ من القسوس و"الخدّام العلمانيّين" لمراقبة عوام الأقباط ومحاسبتهم (هذا إن كانوا يذهبون للكنيسة أصلاً).

لننتقل إذاً إلى الفقرة التالية.
البابا؟

٢) البابا شنودة: الرجُل والقرار
٢-١: البابا الصعيدي والكرامة
لا أستطيع التحدُّث في هذه المدَوَّنة أو في غيرها عن البابا شنودة الثالث إلاّ بعد مقدمة هدفُها سَبْر غَوْر هذا الرجُل (خاصّةً أنّ جُلَّ ما يُكتَب عنه جَعجَعةٌ انفعاليّة سواء أكانت مدحاً أو قدحاً):
لا يُمكِن فهم البابا شنودة بدون فكّ بعض "مفاتيح شخصيّته" (مفتاح الشخصيّة عرّفه العقّاد في عبقريّة عُمر بأنّه تلك الكلمة التي تفسِّر كلّ شيء عن شخصيّةٍ ما). فلا يُمكِن فَهمُ الرئيس مُبارك مثلاً دون مفتاحين: التنشئة العسكريّة/ ابن المنوفيّة.
كذلك لا يُمكِن فهم بابا الأسكندريّة إلا بمفتاحين :
الكرامة/ الصعيد.
لا يُمكِن أن تُغفِل كلمة "الكرامة" (والتكريم؟) وأنت تتكلّم عن البابا شنودة، بكلّ ما يصحب تلك الكلمة من نقاط قوّة وضعف. الكرامة الشخصيّة، التي يقول عنها البابا نقلاً عن أحد القدّيسين "مَن سَعى وراء الكرامة هربت منه، ومن هرب منها سعت وراءه"، هي-في نظري-مفتاح سحريّ لفهم الرجُل.
وإن كان هو شخصيّاً يُنادي بالهرب من الكرامة والتكريم (ولا يعني هذا بالضرورة أنّه ينجح في تطبيق ذلك)، فهو لا يقول الشيء نفسه عن كرامة الكنيسة وكرامة الوطن. فبالنسبة لرئيس الكنيسة، التسامُح في الحقّ الشخصيّ نُبل وشجاعة، والتسامُح في (ما يعتبرُه) حقَّ الكنيسة أو الوطن خنوعٌ وخيانة (على الأقلّ هذه رؤيتي لموقفه، ويمكنني لاحقاً تحليل عدد من عظاته وخطاباته وتصريحاته لتوضيح نظريّتي).
من هذا المُفتاح يمكن فهم مواقف البابا شنودة مع "مرئوسيه"، ومع الڤاتيكان، ومع رؤساء مصر، ومع معارضيه داخل الكنيسة، ومع جميع من يلقاهم. أضِف إلى هذا بالطبع هالةَ البطولة التي تُحيط به أينما ذهب-عن استحقاق أحياناً وعن وَلَع العامّة غير المبرَّر بـ"الأبطال/الرموز" أحياناً أخرى-والتي تجعله يشعُر دائماً بأنّ "أبناءه" ينتظرون منه أن يفعل كذا وكذا، وأنّه لا يُمكن أن يخذلهم.

٢-٢: لماذا منع البابا شنودة زيارة القُدس؟
الأسباب المباشرة هي ما أعلنه:
ا) احتجاجاً على عدم تسليم دير السلطان إلى الكنيسة القبطيّة*.
ب) تضامناً مع القضيّة الفلسطينيّة ("لن ندخُل القدس إلا مع إخوتنا المسلمين").
أمّا الأسباب الباطنيّة، فتكُمن في عدّة أمور:
ا) موقف البابا الشخصيّ من القضيّة الفلسطينيّة، وتفضيلاته السياسيّة: يختلف المراقبون حول انتماء البابا شنودة، وهل هو ناصريّ أم وفديّ... لكنّ ما لا يختلفون عليه أنّه رجُلٌ عاصَرَ تأجُّج الحركة الوطنيّة المصريّة (قبل الثورة وبعدها) وأنّه خدم في القوّات المسلّحة، وبالتالي فهو مشبّع بمفردات المقاطعة.
ب) الوضع السياسيّ الحالي والاحتقان المستمر والحساسيّة المستمرّة بشأن أيّة عودة للعلاقات مع دولة إسرائيل (بالرغم من معاهدة السلام).
جـ) قرارات مجلس كنائس الشرق الأوسط، الذي يضمّ أكثر من كنيسة أرثوذكسيّة من أقدم كنائس العالم، والذي يؤازر دائماً المواقف العربيّة (لعروبة هذه الكنائس).

٢-٣: كيف يفسّر جمهور الأقباط موقف البابا شنودة؟
ما سأكتبه هنا مؤسف، لكنّني لا أستطيع إنكاره: بالرغم أنّ نفراً قليلاً من المثقفين والمتعلمين وكبار السن من المسيحيّين المصريّين (لا سيّما الناصريين منهم) يتضامنون قلباً وقالباً مع قرار البابا، إلاّ أنّ عدداً كبيراً من العامّة والخاصّة (أي بعض الأساقفة) يبدو أنّهم لا يفهمون المعنى الحقيقيّ لمنع زيارة القدس، بل يعدّونها "ورقةً في يد الكنيسة" تلعب بها في مساوماتها مع الدولة. موقف هؤلاء "العامّة" هو موقف "پراجماتيّ" إذن، وهم يعتقدون (وتسمعهم يتكلّمون في المحافل بكلّ ثقة في ما يقولون) أنّ البابا شنودة "رجُلٌ سياسيّ دبلوماسيّ محنّك"، ومن ذكائه اتّخذ هذا الموقف المُقاطِع كي يحمي الأقباط من شُبهة "التحالف مع العدوّ" وكي يظهر للدولة أنّ الأقباط "يحافظون على عهدهم" مقابل حماية الدولة المستمرّة لهم. كلّ هذا مؤسف للغاية لأنّه يعكس غباءً (بل غباوة وغشاوة) وسطحيّة، لكنّ هذه ثمرة الأيّام الساداتيّة وتوازناتها (لاحظ مثلاً رأي عزّت أنداوس الذي يمكن تمييزه رغم محاولته للموضوعيّة هنا*). قد تسمع تفسيرات أخرى تتوقّف على المُفَسِّر، ومن أطرفها أنّ الموقف الـ"شنوديّ" هو نتيجة عناده مع السادات، وفي رواية أخرى أنّ هذا الموقف هو سببٌ محوريّ في عزل السادات للبطريرك.
دعنا من التفسيرات، ولنمضِ إلى آخر نقاط سؤالك.

٣) الوطنيّة:
لعلّ هذا هو الجزء المستفِزّ حقّاً في سؤالك، وسيكون هو الجزء المُستَفِزّ أيضاً في إجابتي.
"إيه بقى موضوع وطنيّة الأقباط؟" لماذا تُساءَل وطنيّة مسيحيّي مصر دائماً ولا تُساءَل وطنيّة بقيّة المصريّين؟
دعني أسأل سؤالاً غبيّاً: ما علاقة زيارة القدس بالـ"وطنيّة"؟
الموقف الوطنيّ المصريّ من إسرائيل نظريّاً مُحايد، بعد عودة آخر جزء من سيناء (بغضّ النظر عن رأيك في بنود المعاهدة).
أمّا ما تخدشه زيارة القُدس فهو الموقف القوميّ العروبيّ (الناصريّ) وموقف الإسلام السياسيّ الذي أقحم نفسه مؤخّراً على قضيّة فلسطين حتّى حوّلها من قضيّة عربيّة إلى قضيّةً إسلاميّة (ممّا زاد من تهميش الأقباط إزاء القضيّة).

لا أستطيع أن أقول إنّ من يزور القُدس أقلّ وطنيّةً ممّن يبقى في بيته، ولا أن أقول إنّ هذا وذاك أكثر وطنيّةً ممّن هاجر البلاد وعاش شرقاً أو غرباً.
لكن، بلا شكّ أنّ زيارة القُدس هي تحدٍّ للموقف القوميّ العروبيّ بلاءاته الثلاثة. وهذا غير مُستغرب، فأكثر المسيحّيين يفضّلون الانتماء للوطن (سواء بالطريقة السعديّة/الوفديّة أو بطريقة مصطفى كامل) على تبنّي موقف عروبيّ (اشتراكيّ أو وناصريّ)، وبالتأكيد لن تجد مسيحيّاً مصريّاً يتبنّى الموقف الـ"إسلاميّ" تجاه القضيّة (باستثناء جمال أسعد عبد الملاك مثلاً الذي رُشِّح لمجلس الشعب على قائمة حزب العمل الإخوانيّة).

والآن إلى مسلمي مصر. هل تظنّ يا ميم أنّ مسلمي مصر أكثر وطنيّةً من مسيحيّيها؟
هل مظاهرات رفض تدخُّل أمريكا هي موقف وطنيّ؟
لماذا لا تقوم مظاهرات رفض لتدخُّل السعوديّة مثلاً؟
لماذا يخرج مصريّون مسلمون إلى الشوارع ويخاطرون بإسالة دموعهم (وأحياناً دمائهم) احتجاجاً على مقتل فلسطينيّين (عرب مسلمين)، أو احتجاجاً على غزو العراق (العربيّ ذي الأغلبيّة المسلمة)، أو رفضاً لممارسات الصرب في البوسنة (المسلمة) والروس في الشيشان (المسلم) ولم يتظاهر مواطِن واحد حين قُتِل مَن قُتِل من المصريّين في المنيا وفي منشيّة ناصر وفي الكُشح؟
ولماذا قامت الحُكومة الوطنيّة المصريّة ولم تقعُد حين قُتِل سُيّاح في الأقصر، وقَعَدَت ولم تقُم مناديةً بضبط النفس حين قُتِل مواطنون مصريّون (كانوا بالصدفة مسيحيّين)؟
ـ{أرجوك لا تردِّد اسطوانة "الراديكاليّين المسلمين المعتقلين في السجون" كمقارنة. أنا وأنت نرفُض تعذيب أيّ مواطن (وأيّ إنسان) تحت أيّة ذريعة، لكن مقاومة الحُكومة للمُعارضين سياسيّاً (حتّى إن كانت متعسِّفةً ظالمة) لا يُمكِن مقارنتها بمقتل مواطنين مدنيّين بلا موقف سياسيّ}ـ.
ولاّ إيه؟

وفي هذا الصَدَد، أتذكّر قولاً للدكتور حنّا جريس (وهو طبيب تحاليل وليس دكتوراً في التاريخ، لكنّه درس التاريخ المصريّ بكافّة عصوره ودرس علم الآثار) موجزه أنّ أحد "ترمومترات" الوطنيّة لدى مسيحيّي مصر يُمكِن قياسه في تفضيلات ديانتهم الشعبيّة: فنجد أنّ القدّيس المفضّل في مصر في فترة الستينيّات كان القديس مينا/مارِمينا (المصريّ) في مقابل القدّيس جرجس/مارِجرجس (الرومانيّ) والذي يصير البطل في أوقات تراجُع الوجدان الوطنيّ لدى المصريّين. ومن هُنا أيضاً تسمية الكاتدرائيّة الجديدة (المبنيّة في نهايات الستينيّات) على اسم الأنبا رويس (القديس المصريّ البسيط)، والإصرار على عودة رفات القدّيس مرقس مؤسّس كنيسة مصر في مطلع السبعينيّات.
قارِن النزعة الروحيّة/الوطنيّة في الستينيّات ومطلع السبعينيّات بيومنا هذا (حيثُ يسود التفكير الغيبي كردّ فعل للأزمة الاقتصايّة ولمخاوف الأقباط): القدّيسون المفضَّلون لدى الأقباط اليوم هم "قدّيسون جُدُد" أو بالأحرى قّديسون اكتُشِفَت سيرهم مؤخّراً أو قدّيسون عُذِّبوا في عصور الاضطهاد، ويتوازى هذا مع شيوع زيارات الأديرة (التي كان يحتمي بها المسيحيّون وقت الاضطهاد، والتي تعكس ثقافة الانعزال والاحتماء بالأسوار من "ضغوط العالم الشرير"). كلّ هذا الـ"أتموسفير" يساهم بشكل أو بآخر في الحلقة المفرغة: (تقوقع المسيحيّين وتهميشهم الذي يؤدي لمزيد من التقوقع فالمزيد من التهميش) وفي خلق ثقافة عُقدة الاضطهاد (بغضّ النظر عن كَوْن مُسَبِّب الـ"عُقدة" حقيقيّاً أم وهميّاً أم بينَ بين). وحتّى اختيار الأساقفة وبزوغ الـ"أبطال" في المجتمع القبطيّ يرتبط كثيراً بتلك العوامل السياسيّة/الاجتماعيّة/السيكولوجيّة.
فمن البابا كيرلّس الذي يُعَدُّ بطلاً "روحيّاً" ورجُل صلاة ومعجزات، نجد الأقباط ينتقلون إلى الافتخار بالبابا شنودة رجُل التعليم والمواقف أو الافتخار بهؤلاء القسوس الذين لا يخافون ويدافعون عن العقيدة سرّاً وعلناً. أضف إلى هذا كلّه تضخُّم بقيّة ملامح الفكر الغيبيّ والحاجة للمعجزات والشفاء بالطرق غير الطبيّة متوازياً مع صعوبة العَيْش وغلاء العِيش!
أخ! تَشتَّتُّ الآن في نقطة فرعيّة...

الخُلاصة إذن هي:
١-زيارة القُدس ليست علامةً على تراجُع الوطنيّة بل على التخلي عن الفكر القوميّ العربيّ لدى غالبيّة الأقباط.
٢- ولكنّ هذا لا ينفي أنّ الوطنيّة نفسها في تراجُع كبير بصفة عامّة (في مصر) على حساب النزعة الانفراديّة والأسريّة من جانب (أنا وأولادي ومن بعدي الطوفان) وبروز الانتماء الطائفيّ/الدينيّ إلى قمّة سلّم الأولويّات من جانب آخر.
٣- الأقباط كغيرهم من مواطني مصر (أو سكّانها إن شئت الوصف الأدق) يتأثرّون بما يحدُث حولهم من أوضاع سياسيّة اقتصاديّة اجتماعيّة نفسيّة لهذا البلد الذي يمرّ بوعكة طالت إلى حدّ المرض المزمن!
٤- مشكلة زيارة القدس ليست المؤشر الأهم عن تراجُع "وطنيّة الأقباط"، بل السؤال الحقيقيّ هو: لماذا صار المسيحيّون المصريّون في لا مبالاة (أكثر من أيّ وقت مضى منذ ١٩١٩) تجاه المشكلات التي لا تخصّ الكنيسة؟ لماذا لم يعُد الأقباط المصريّون يغضبون للحالة الاقتصاديّة ولا الفساد ولا تعديات الأمن ولا تهميش المواطنين إلا حين يمس ذلك شئون المصريّين ذوي الديانة المسيحيّة؟

والسؤال الأنكى هو:
ما هو المشروع الوطنيّ الموحّد الآن؟
{توشكى؟ تخضير الصحراء؟ العزيمة والإرادة؟ عام ٨٠ عام الرخاء؟ هأو}
ألا تتّفق معي أنّه لا يوجد مشروع وطنيّ حقيقيّ تقريباً منذ ١٩٧٣،
بعد المشروعات العملاقة: الاستقلال، السد العالي، تحرير سيناء.

أليس هذا هو مربط الفرس؟ أم أنّ الفرس لا مربط له؟
ـــــــــــــ
* عزّت أندراوس- مشكلة دير السلطان (موقع تاريخ أقباط مصر)ـ

Related Topic: Copts, Muslims, and our Defunct Public Space - by Baheyya

المقال كاملاً والتعليقات

eXTReMe Tracker