مبايعة المجمع: السابقة الخطيرة ومسئوليّة الأقباط
إجابةً سؤالك بشأن بيان المجمع المقدّس الداعي الرئيس حسني مبارك للاستجابة للجماهير من أجل ترشيح نفسه عبارة واحدة: "علمي علمك!" وها هو ميلاد يشاركني الغضب والاندهاش.
أوّلاً: تسألني عن السبب، وأقول لك لا أعرف.
لا أفهم سرّ هذه السابقة الخطيرة حيث تقف قيادة الكنيسة موقفاً غير مسبوق وغير مُبَرَّر بعودتها إلى زمن "ما قبل التعديل الدستوريّ" والهرولة إلى المبايعة، رغم أنّ الرئيس نفسه لم يعلن إن كان سيترشّح أم سيترك الأمر لأمانة الحزب.
أتذكّر أنّني كنت فخوراً-بعض الشيء-أنّ البابا شنودة لم يضع صورته مع زمرة المؤيّدين للتعديل الدستوريّ والاستفتاء، ولم يخرج بتصريحات من باب: مقاطعة الاستفتاء خطيئة في حق الله والوطن. الآن أنا محبط ومحتار وقلق...
ما يقلقني هو التالي:
١) عنوان المقال الصغير بالكرازة: "الكنيسة القبطيّة تدعو..."
لاحظ أنّ المجمع المقدّس (المكوَّن من الأساقفة أي الرئاسات الكنسيّة) والذي-بحكم مسئوليّته-يباشر أمور الكنيسة كمجلس أعلى (من حقّه عزل البابا إن أجمع رجاله على ذلك) يتحدّث عن نفسه قائلاً: الكنيسة القبطيّة! هذا أمر خطير-رغم أنّه صار معتاداً: الكنيسة-في العقيدة المسيحيّة-هي جماعة المؤمنين الذين يجمعهم الإيمان الواحد في شركة كاملة، والأساقفة-رغم مقامهم وتكريم الجماعة كلّها لهم-يعتبرون مدعووين من الله لخدمة الكنيسة (وليس لحكمها أو التحدّث باسمها). كونهم يصدرون هذا الأمر باسم الكنيسة يعني أمر من اثنين: إمّا أنّهم أوصياء على كلّ قبطيّ أرثوذكسيّ في مصر حتّى في ميله السياسيّ أو أنّهم (وهذا أخطر) نسوا أنّ الكنيسة هي الشعب كلّه وظنّوا أنّهم-أي القيادة-هم الكنيسة. ألا يماثل هذا موقف الملك الفرنسيّ الذي قال: "أنا الشعب" أو موقف الدولة حين تتحدّث عن نفسها قائلةً: "أنا الوطن!".
٢) المقلق أيضاً أنّ "الكرازة"، الجريدة التي يرأس تحريرها البابا شنودة الثالث، تنشر-ضمن صفحة اسمها أخبار الكنيسة (لا تحتوي إلاّ على أخبار البابا وبعض الأساقفة)-قرار المجمع المقدّس الذي يرأسه البابا! يبقى ده كلام مين؟
٣) وضع المجمع المقدّس الكنيسة في مأزق أمام الحركة الوطنيّة. فلو فرضنا جدلاً أن قام نظام حكم جديد، فلن يغفر للكنيسة مخالفتها لتاريخها الوطنيّ التي دأبت عليه في القرن العشرين، ومحاولتها لمجاملة الحاكم باتّخاذ إجراء غير مطلوب منها.
كذلك، كما قلت أنت: ماذا لو رشّح الحزب الوطنيّ مرشحاً آخر؟ وقتها يكون المجمع قد وضع نفسه (والكنيسة) في موقف بايخ، وخسر سمعته الوطنيّة؟
٤) تقلقني أيضاً مبرّرات البيان. كما قلت أنت، الكنيسة غير تابعة للدولة، ولم تخضع لضغوط الدولة مثلاً أيّام السادات، رغم أنّ ذلك كلّف البابا حرّيته في الحركة، وأبقاه حبيس الدير. فما تفسير ما يحدُث الآن؟
هل هو ضغط من الدولة قبلته القيادة الكنسيّة/ هل هي مجاملة متبادلة هدفها نوال بعض الامتيازات للمسيحيّين (هي أصلاً حقوق) / هل هي استجابة لتهديد وضغط (مثلاً بتسريب قصص أخرى للأخبار عن راهب فاسد أو سيّدة تريد ترك زوجها وتغيير دينها)؟
ثانياً: تسألني عن موقف الأقباط الأرثوذكس من القرار وهل هم مربوطون باتّباعه.
لا يبدو من لهجة الخبر أنّ الأمر قرار، ولعلّه لا يعدو عن كونه إجراء من ضرب المجاملات (كما عزّى البابا الرئيس في ضحايا شرم الشيخ مثلاً). لكنّ الأثر الأكبر هو في ثقة المسيحيّين في "حكمة" قيادتهم، وهي ثقة تغذيها-كما قلتَ أنتَ-مخاوف تغيّر وضع الأقباط للأسوأ مع نظام جديد، ولا يبدو أنّ لدى أيّ مسيحيّ مصريّ طموحات في حكومة جديدة تفعل ما هو أفضل لهم.
أمّا عنّي أنا.. ماذا أفعل؟
هذا سؤال هام. أنا لا أعرف موقفي. أنا معترض على المبدأ، ولا أظنّ أنّ لأحد أن يتدخّل في قراري السياسيّ، خاصّةً أنّ أسماء المرشحين لم تُعلَن بعد.
مع ذلك، ورفضاً للسلبيّة، فقد أرسلتُ خطاباً للأسقف الذي تتبعه المنطقة التي أقيم بها في الولايات المتّحدة، وإليك جزء منه:
ـ
I am writing this short message because I was shocked when I read--in the latest issue of "Al-Keraza"--that the Holy Synod has decided to call President Mubarak to run for reelection to because of what they called "his wisdom and experience."
While I have not made my mind yet concerning whom I would elect to be the President of Egypt and while I have strong respect to the past political decisions taken by the Synod (e.g., the prohibition of visiting the Holy Sites in Jerusalem), I strongly disagree with the concept of the clergy taking part in a political game, no matter how good their intentions are.
Such an announcement will be viewed by the majority of Egyptians as a support from the Church leadership to the current regime, and a clear interference with the individual's right to elect the political leader. It looks like the Holy Synod is not satisfied with the latest minor reform that allowed many candidates to run for presidency, and they want us to go back to the old system. Mubarak himself has not announced (yet) that he is re-running; what if he doesn't, and if his son runs... Will the Church come back and issue an "approval" of the president's son? What reasons then will the Synod use: "experience/wisdom" or "new blood and youth"? Why, after all, would the Church leadership have a say in such an issue?
I do not know whether I am obliged to support the Church on this decision. I personally disagree with it, and I cannot defend it in any public discussion.
المقال كاملاً والتعليقات